الدول الخليجية والمواطنة المنشودة - محمد الفزاري
غالبًا ما يُعتقد أن مفهوم المواطنة معقد٬ وينظر له بشكل مريب لاسيما من قبل سلطات وأسر الملكيات المطلقة؛ لكن هل ينبغي أن يكون كذلك؟!
المواطنة فكرة ولدت من الحركة الاجتماعية والتحول السياسي، حيث تكمن في تقاطع ما يعنيه أن تكون فردًا وعضوًا في المجتمع. المواطنة تعني أنك تعترف بحقوقي ومسؤولياتي – وأنا أدرك حقوقك ومسؤولياتك – والاعتراف بحقوقنا الفردية والجماعية أمام من هم في السلطة.
المواطنة تتطلب:
أولاً، الأساس القانوني الذي يجب أن ينظم العلاقة بين الحكام والمحكومين وهو العقد الاجتماعي. يجب أن يوازن هذا العقد بين مصالح الأفراد والمجتمع، ويجب أن تتضمن أحكاما للمشاركة العامة في الحكم؛ وهذا غير متوفر في أي بلد خليجي. دول الخليج هي أنظمة استبدادية وسلطوية، وبعضها أيضا يصل إلى الشمولية، تديرها أسر، يتمتع فيها المواطنون بحقوق فردية أو جماعية محدودة جدا. في حقيقة الأمر، المواطن في هذه الدول ليس مواطنا ولو صرحت قوانين هذه الدول بخلاف ذلك، ولو استخدمت مفردة مواطن. الساكن ليس مواطنا.
ثانياً، أساس اجتماعي-اقتصادي، يهدف إلى تلبية الاحتياجات المادية الأساسية للمجتمع وإدخال تدابير للمساعدة في ضمان تكافؤ الفرص. ليس هذا هو الحال في دول الخليج أيضًا، حيث لا توجد العدالة الاجتماعية بأي حال من الأحوال. يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى المملكة العربية السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم. إن الموارد النفطية في البلاد مملوكة للعائلة المالكة-الحاكمة التي تعيش ببذخ، في حين يقدر ما نسبته 25 في المئة من الناس في البلاد يعيشون تحت خط الفقر. هذا الحال ما زال مستمرا في كل دول الخليج، حيث تُحرم الشعوب من الثروة والامتيازات والفرص التي تحصل عليها الأسر المالكة-الحاكمة، ولا تحصل هذه الشعوب إلا على الفتات تقريبا مع تفاوت الحال طبعا بين هذه الدول.
ثالثا، أساس أخلاقي، يدعم الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم، وعلى الأقل التسامح مع الرأي والمعارضة. وهذه أحد أهم دعائم العقد الاجتماعي. وهذا الأساس يجب أن يضمن فكرة أصيلة مفادها أن جميع الأشخاص متساوون أمام القانون، دون أي تمييز على أساس الجنس أو الدين أو العرق أو الانتماء السياسي. بيد أن الواقع في الدول الخليج بخلاف ذلك وأبعد ما تكون عن التسامح؛ حيث إن سرديات الأنظمة ترفع شعارات التسامح وخاصة في سردية الدولة الأبوية، وفي الحقيقة لا يوجد أي مجال للاختلاف في الرأي أو المعارضة في دول الخليج.
تلك الأسس والمبادئ هي التي سمحت وتسمح للمجتمعات بالازدهار في كل مكان في العالم؛ ولذلك فمفهوم “المواطنة” ليس حكرا على ثقافة معينة وليس حصرا على شعوب بعينها. لا يجب أن يكون مفهوم المواطنة محددًا ثقافيا أو عرقيا أو دينيا أو طائفيا.
ما أهم العقبات التي تحول دون “المواطنة” في الخليج؟
في رأيي، يمثل وجود النفط في هذه البلدان العقبة الأكثر وضوحًا أمام هذا النوع من الإصلاح لسببين: خارجياً، للقوى العالمية الكبرى مصالح مشتركة مع العائلات المالكة-الحاكمة في المنطقة، ومن مصلحتهم أن يستمر الوضع الراهن. على المستوى المحلي، يعتمد النظام السياسي-الاقتصادي على توزيع عائدات النفط من أعلى إلى أسفل، وهذا مكن العائلات المالكة-الحاكمة من السيطرة على هبات الدولة دون أي مسؤولية ورقابة وبهذه الهبة قامت ببناء قوات أمنية وعسكرية كبيرة يلتصق ولاؤها بهذه الأسر التي تمكنت من خلالها فرض هيمنتها على الشعوب قسرا.
هناك عقبة أخرى أمام الإصلاح والتعبئة الشعبية في المنطقة الدافعة إلى هذا النوع من الإصلاح وهو قلة الوعي الحقوقي والسياسي، وهو بلا شك نتيجة لسيطرة الأنظمة الخليجية على المعلومة ومصادرها، بالإضافة إلى انسحاب المثقف من دوره الحقيقي سواء كان تقربا من الأنظمة وثرواتها أو خوفا من قواتها الأمنية والعسكرية.
ما “المستقبل المنشود”؟
إنها دولة تتركز حول مبادئ المواطنة. دولة تضمن أمن وسلامة مواطنيها وتعمل من أجل التنمية المستدامة. ورغم أن أنظمة الخليج تعد بكل هذه الإصلاحات، إلا أنها وعود زائفة. كم عدد الوعود التي قطعتها هذه الأنظمة؟ كثيرة جدا. كم عدد الرؤى التي وضعتها هذه الأنظمة؟ كثيرة جدا. كم عدد المواطنين المسجونين أو الأسوأ من ذلك، فقط لدعوتهم للتغيير؟ كثيرون جدا. كم عدد الأصوات التي تم خنقها بالوظيفة والتعليم والأسرة؟ كثيرة جدا. الدولة التي تتمحور حول مبادئ المواطنة هي دولة تعتمد على مشاركة الشعوب في تحديد مصيرها وإدارة ثرواتها.
نطالب بدولة تركز على مبادئ المواطنة. دولة ذات دستور توافقي وهيئات تشاركية تم إنشاؤها بمشاركة الشعب، ومن أجل الشعب.
محمد الفزاري – رئيس التحرير
*أصل المقالة يستند على كلمة ألقاها الفزاري في مؤتمر: “الدول الخليجية والمستقبل المنشود” الذي نظمته “مواطن” وعدة منظمات خليجية وأجنبية
تعليقات
إرسال تعليق