المعارضة الخليجية بين المنأى والمنفى..الواقع والمأمول - محمد الفزاري


في الآونة الأخيرة حاولت عدة مؤسسات إعلامية غير خليجية تسليط الضوء على واقع المعارضة في الخارج، في محاولة لفهمها وكذلك لإبراز أهم إنجازاتها وأصعب التحديات التي تواجهها. ولا يخفى على أحد أن هناك عدة عوامل ساعدت بشكل ملحوظ في إبراز صوت المعارضة في الخارج في الآونة الأخيرة، بخلاف واقعها السابق، ولعل أهمها التطور التكنولوجي في أدوات التواصل التي وفرت للمعارض سهولة التواصل، وسرعته، مع الداخل لإيصال رسالته وصوته بشكل عام. والسبب الآخر يعود فضله إلى الحراك الشعبي سنة 2011 الذي أسهم في زيادة الوعي السياسي مما نتج عنه بروز أصوات معارضة مطالبة بالإصلاح والتغيير؛ ولأن هذا الوضع الطارئ لا يمكن قبوله من قبل حكام المزارع الخليجية لأنها لا تتفق وشكل نظام الحكم من حيث المبدأ، كذلك ستقوض من صلاحياتهم ونفوذهم عمليا، ضُيِّق وضاق الحال بهم حتى أجبر البعض منهم على المنفى هربا من سوط ومشنقة الجلاد، وبعضهم الآخر اختار المنأى كمنفى اختياري باحثا عن مساحة تتلاءم وسقف حريته. والسبب الثالث والطارئ هي تداعيات المقاطعة/الحصار الخليجي المصري على قطر؛ إذ سعى طرفا الخلاف جاهدَيْن على لإبراز الأصوات المعارضة لكل طرف عن طريق توفير مساحة إعلامية كبيرة لم يكن يتوفر حتى خمسها بجانب الدعم اللوجستي والمادي.


ولعل من أهم ما تم طرحه في هذا السياق مدى تأثير المعارضة في الخارج والداخل، ورغم أن السؤال عن مدى تأثيرها في الخارج، وفي الداخل خاصة، سابق لأوانه لأنها معارضة جديدة قياسا بالأسباب التي وفرت ظروفها، تبقى هناك عوامل عدة قد تكون بعضها مخفية عن الداخل تسهم بشكل مباشر في التقليل من دور المعارضة وتأثيرها. وسأقسم هذه العوامل وفق معيارين: معيار عملي ومعيار منهجي.

من حيث المعيار العملي، فبسبب الوفرة المالية الطائلة لدى أنظمة الحكم الخليجية ورضوخها التام للرغبات والمصالح الغربية، مما يجعلها الخيار المفضل كحليف لهذه القوى. وهذا يمنع من إمكانية اعتراف هذه الدول بكل أشكال المعارضة سواء كانت في الداخل أو الخارج مهما كانت منظمة وفاعلة. كذلك الجهود المبذولة والمستمرة من قبل الأجهزة الأمنية الخليجية من اختراق صفوف المعارضة واللعب على وتر التناقضات والاختلافات لشق صف المعارضة من الداخل، أما على المستوى الفردي فلا تكاد أن تتوقف أبدا عن تطبيق نظرية الجزرة أم العصا، الترغيب أم الترهيب على شخص المعارض والمحيطين به من الأهالي والأصدقاء. والملاحقة الأمنية المستمرة لكل من تسول له نفسه التعاطف بالقول والتواصل مع أي معارض خاصة من كانوا في الخارج ولو كان على شكل تغريدة!

منهجيا، سأتناول هذا المعيار على مستويين: المستوى الأول له علاقة بالعقل الجمعي وتدني مستوى وعيه السياسي الذي بلا شك هو نتاج عوامل كثيرة؛ بيد أن أهمها الأنظمة الخليجية ذاتها. فمصطلح معارض ما هي إلا مرادفة لكلمة خائن في ذهنية الكثير من المواطنين وحتى على مستوى المسؤول المتنفذ أحيانا. وشن الحرب بكل أنواعها على هذا المعارض هو ذود عن الوطن، والغاية تبرر الوسيلة. وأما المستوى الثاني فيعود إلى المعارض ذاته.فمستوى وعي المعارض السياسي بآليات وأدوات المعارضة تلعب عاملا جوهريا في مدى نجاحه خاصة عندما يتعلق الأمر بتقبل الصوت المعارض الآخر الذي ينظر للصواب من زاوية أخرى، وعين مختلفة. فمن الطبيعي جدا أن يتأثر دور المعارضة سلبا إذا كان بينها من تشير أقواله وتصرفاته بملامح الاستبداد الذي هو يدَّعي مجابهته؛ فلا يرى الحق إلا فيما يؤمن به، ولا يرى الصواب إلا فيما يقوله، ولا يرى أحقية القيادة والزعامة، إن كانت ولا بد، إلا في شخصه!

وأخيرا وأهم من بين كل ما طرحته، ما يتعلق بالجانب المنهجي في مستواه الثاني، الظروف الخاصة التي يعيشها المعارض.ورغم أني استخدمت لفظة معارض طيلة المقالة إلا أنلدي تحفظًا كبيرًا عليها، وما استخدمتها إلا لتقريب الصورة. فبجانب أنها لا توحي إلا بمعنى سلبي في ذهنية المتلقي الخليجي كما أشرت وهذا يؤدي إلى نفوره من الرسالة التي يحاول المعارض إيصالها، فإني أرى أن لفظتي: معارض والمعارضة؛ دائما تشير إلى عمل منظم وممول بآليات مختلفة. أما من يطلق عليهم اليوم بالمعارضة في الخارج، فما هم إلا أفراد اختاروا أو أجبروا على العيش في الخارج، فلديهم ظروفهم المعيشية الخاصة مثل الوظيفة ومتطلبات الحياة الأخرى التي جميعها تسهم في التقليل من فعالية نشاطهم. ومن هم خارج هذه الدائرة قلة قليلة تكاد لا ترى.

إن العمل المعارض لا يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا إلا إذا كان منظما، وهذا التنظيم يحتاج إلى توافق وتفرغ ودعم.



تعليقات

المشاركات الشائعة