حوار صحفي في صحيفة العرب اللندنية - محمد الفزاري: العالم العربي يحتاج إلى ثورة فكرية لا سياسية



الروائي العماني محمد الفزاري يعتبر أن الثورة الفكرية التي تلت ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والتكنولوجيا كفيلة بحرق المسافات للتطوير.

- زكي الصدير

الاثنين 2019/01/28







يكتب الروائي العماني محمد الفزاري روايته الجديدة من لندن، حيث بقي معلّقا نفسه بين بلد يشتاقه وبلد يعيش فيه، متناولا في سيرته الروائية ذكرياته الخاصة عن المكان وحال الناس فيه، وعن هذه الهموم التي لامست السياسي والفكري والحياتي واليومي سطر رواية “اللايقين” الصادرة مؤخرا عن دار عرب في لندن. “العرب” توقفت معه في هذا الحوار.



رواية “اللايقين” للكاتب العماني محمد الفزاري هي حكاية تشكل الوعي والتبدلات الفكرية لذاتين (امرأة ورجل) عايشتا مختلف الأنماط والاتجاهات بدءا من القرية البسيطة التي تكتنفها الهوية الضيقة، مرورا بالمدينة حيث تتشكل الذات مثل شرنقة ترنو للخلاص، وانتهاء بالاغتراب الداخلي الذي مهّد للغربة الجسدية حيث المآل الحتمي لمن يرفض الخنوع ويختار النمط الأصعب من العيش في مقابل ألا تسلب كلمتُه منه.
تتشارك الذاتان في المنعطفات الرئيسة، حيث في البداية تبدأ مرحلة البحث عن الذات والخروج عن السائد المألوف، ثم تصطدم كلاهما بحائطين مختلفين أقوى من قدراتهما، يقودهما إلى الخضوع والاستسلام. وفي كل هذا العبث الوجودي، تسخر الرواية من اليقينيات، وتستنكر بحنق من الهوية والجماعة والدولة والعالم.


سيرة ذاتية

تأتي رواية “اللايقين” بعد رواية “خطاب بين غيابات القبر” الصادرة عن الساقي في 2013. وبين روايتين مدى زمني فيه التقارب والتداخل بين الرواية والسيرة الذاتية، لاسيما في كونهما التجارب الأولى للروائي، الأمر الذي دفعني للتوقف مع الفزاري عند قدرة الروائي على الانفكاك من أزمة الذاتي والموضوعي في فضاء السرد المتخيّل.



حكاية تشكل الوعي والتبدلات الفكرية لذاتين (امرأة ورجل)
حكاية تشكل الوعي والتبدلات الفكرية لذاتين (امرأة ورجل)

يقول محمد الفزاري “كل كاتب في نهاية المطاف هو نتاج بيئته وتجاربه الخاصة والمشتركة. قد يذهب بعض الكتاب إلى أبعد من ذلك باستدعاء شخصيات من الواقع لعمله الروائي ليخلق لهم واقعا مختلفا لأسباب تتعلق بالعمل ذاته، وقد يستدعي أحداثا واقعية ليعالجها اجتماعيا أو سياسيا أو غير ذلك في إطار القالب العام للحبكة الرئيسة. وهذا ما حدث في عملي الأول والثاني كذلك، ولكن بحكم تطور التجربة، كما أزعم، لم يحتو عملي الثاني ‘اللايقين‘ على شخصيات كان لها أصل في الواقع، وكذلك الحال على مستوى الأحداث تقريبا. بيد أن معظم الأحداث وليس كلها، لها أصل على مستوى الفكرة في عقلي اللاواعي. وهذه الجذور لم تأت من فراغ، بل كانت لها بذور تسللت عبر الحواس الخمس. لماذا ليس كلها؟ لأن بعض الأفكار كانت وليدة اللحظة؛ فالكتابة أيضا نوع من التفكير، بل أكثرها أصالة وعمقا، لكن لعل المشكلة الأكبر عندما ينشر الكاتب سيرته الذاتية، أو جزءا من سيرته ويقدمها في شكل عمل روائي؛ فهنا لم يستدع الكاتب الواقع بشكل انتقائي لأغراض تهدف إلى بناء العمل قدر ما هي محاولة للهروب وعدم القدرة على المواجهة”.
غيّر الفزاري في الرواية معالم المكان من السلطنة إلى المملكة، إذ أن تفاصيل الحكاية تتجه ناحية سلطنة عمان كفضاء جغرافي تدور فيه الأحداث، وكان ذلك جليا في سرده للفرق الدينية، وللمواقف السياسية والاجتماعية.
ويرجع الفزاري تغييراته لأسباب فنية بسيطة، فهي، بحسب تعبيره، محاولة لإعطاء العمل جواز سفر صالح لأكبر عدد من الدول. يقول “لا أنكر أن العمل يرتكز بشكل رئيس على الواقع العماني، لكني أزعم أنه يحتوي على الكثير من الأفكار والهموم إذا لم تكن جلها تتشارك فيها مجتمعاتنا العربية وخاصة الخليجية. ولهذا لو كان القارئ يجهل الواقع العماني، فهناك نسبة كبيرة لا بأس بها ألا يربط القارئ العمل بالواقع العماني أو فقط، وسيعطيه مساحة للإبحار بخياله بشكل أوسع″.




ثورة فكرية

من جهة أخرى يعبّر محمد الفزاري عن حرية التعبير في الوطن العربي على أنها “وجع كبير ليس بعده وجع عندما نشاهد هكذا واقع تجاوزه الآخرون منذ عشرات السنين على أقل تقدير”.
ويقول “الوجع الأول، عندما يتساوى المفكر والمثقف الذي من المفترض أن يكون أحد أعمدة البناء في الدولة مع المجرم في السجن، بل في أكثر الأحيان أقل شأنا وأكثر إجراما في نظر السلطة. الوجع الثاني، إن مثل هذا الواقع هو لأكبر تأكيد على تلك النظرة التي يراها البعض سوداوية وكثيرة التحامل عندما تقارب واقعنا ببداية عصر النهضة في العالم الغربي؛ فكم هو عدد القرون التي نحتاجها لنرى واقعا مختلفا؟”.
رغم ذلك إلا أن ضيفنا متفائل بالثورة الفكرية التي تلت ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والتكنولوجيا بشكل عام، ويتوقع أنها كفيلة بحرق المسافات. فالثورة الفكرية، بحسب رأيه، هي التي يحتاجها العالم العربي، لأن الثورة السياسية ليس بمقدورها إلا تغيير ديكور السلطة السياسية وواجهتها.
من السيء أن يتساوى المفكر والمثقف الذي من المفترض أن يكون أحد أعمدة البناء في الدولة مع المجرم في السجن

ويقول “شخصيا وصلت إلى قناعة؛ الطريق إلى تحرير السياسة من قبضة الاستبداد في عالمنا العربي لا بد أن يمر أولا على المقدس الديني ويتم تحريره من قبضة الكهنوت الذي يصر أن يبقيه قابعا خارج التاريخ ليبقى متسيدا ومستفيدا ومعاونا ومساعدا في الاستبداد بتشريعه للظلم. لا بد من ثورة فكرية هدفها الإنسان أولا وأخيرا. وتفكيك المقدس بكل شجاعة ونقده لغة وتاريخا وواقعا. هذا النوع من النقد سيؤدي بلا شك إلى إظهار حقيقة المقدس وسيقلل من وطأته على الناس عندما يدركون أنه لا يمكن تمثيل إرادة الله على الأرض لأنه لا أحد يملك الحقيقة الإلهية المطلقة مما سينتج عنه تقبل الناس للاختلاف والتعددية كجزء أصيل من طبيعة الحياة وليس فقط الدين، وكذلك ظهور خطابات دينية حداثية تهتم بالفردانية بدلا عن ثقافة العموم والقطيع، وسينتقل الدين من الحيز العام إلى الحيز الخاص”.
ويضيف مختتما في الشأن نفسه “دعنا نتفق أولا أن الدول العربية ليست قالباغ واحدا، فبينها تمايز وتباين مثل ألوان الطيف؛ ورغم ذلك فكل الدول العربية لديها خطاب دوغمائي بنسب متفاوتة لكنه أيضا يختلف من حيث النوع؛ فبعضه سياسي فقط لحد ما وهنا نستدعي على سبيل المثال: المغرب وتونس ومصر بنسبة أقل.  ولهذا لاحظنا في السنوات الأخيرة أنه تم نشر عدة كتب دينية تنتقد المقدس الديني بجرأة ولم يتعرض أصحابها للمساءلة القانونية. وهناك من لديها خطاب دوغمائي ديني فقط وهنا نستدعي الواقع اليمني، والمصري لحد ما، قبل 2011. أما الدول الخليجية فهي تتشابه لحد بعيد في العديد من السمات لكننا نلاحظ أيضا أن هناك اختلافا نسبيا في مستوى حرية التعبير والنشر بين دولة وأخرى اعتمادا على المحتوى”.

تعليقات

المشاركات الشائعة