#انتهى_شهر_العسل يا حكومتنا الرشيدة - محمد الفزاري
#انتهى_شهر_العسل، وسم ظهر قبل أيام بسيطة في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” على خلفية تغريدة أحد أعضاء مجلس الشورى، والتي قال فيها: “بلغ سعر نفط عُمان تسليم شهر يناير القادم اليوم (75.51) دولارا أمريكيا. فلنربط الأحزمة، ونستعد جميعا للتحديات القادمة.. لقد انتهى شهر العسل!!”. وشهد هذا الوسم تفاعلا من قبل المواطنين، ويبدو أنهم حاولوا التنفيس من خلاله عما يجول بداخلهم من أفكار وآمال بكل أريحية، وعبروا من خلاله عن عدم رضاهم عن سياسة الحكومة في هذا الجانب، وقلقهم وتوجسهم من المستقبل.
وهذه التغريدة كانت ضمن عدة تغريدات أطلقها هذا العضو، يطالب فيها الحكومة إلى النظر بشكل جدي في التأثيرات المقبلة التي قد تنتج عن الانخفاض المستمر لأسعار النفط على الاقتصاد العماني وعلى وضع الميزانية العامة للدولة في السنوات المقبلة. وما لفت انتباهي، وهو ما أود التركيز عليه ذلك التناقض المحير في تغريداته. ومما يبدو جليا أن التناقض ليس في مضمون التغريدات، حيث أنها من وجهة نظري تغريدات منطقية وواقعية. وما نادى به العضو ليس بالخطاب الجديد، أسلوبا ومضمونا، بيد أن التناقض يبدو واضحا في مبدأ وقناعات صاحب التغريدات!.
كمواطن عادي أستطيع أن أستشف وأتعرف على توجهات ومبادئ أي عضو برلماني عن طريق ما يصرح به هذا العضو بالقول والكتابة. وشخصيا وبحسب متابعتي لهذه الشخصية البرلمانية المعنية في مواقع التواصل الاجتماعي، أستطيع أن أشعر بمستوى الرضا الكبير لديه عن سياسة الحكومة بشكل عام، وتوجهه اليميني المحافظ. ولم ألاحظ في يوم ما حقا أي تصرف أو تصريح يدل على خلاف ذلك، وهذا لا يعني أن موقفه المحافظ السابق خاطئ كطبيعة اجتماعية وإن كان يخالف توجهاتي وقناعاتي؛ لأنني مؤمن إيمانا كاملا بأهمية وجود هذا الاختلاف وهذا التدافع في عملية التطور لأي مجتمع كان، وكما يقول المفكر وعالم الاجتماع علي الوردي: “هما رأيان متناقضان، والحق في جانب كل منهما في آن واحد. إنهما يمثلان الوجهين المتلازمين للحقيقة الاجتماعية، أو بعبارة أخرى: إنهما يمثلان القدمين اللتين يسير بهما المجتمع إلى الأمام جيلا بعد جيل”. لذا كلما سارعت الحكومات والشعوب في إدراك هذين الوجهين لعملة الحقيقة الاجتماعية، زادت فرص النجاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
أنا كمواطن متابع للرأي العام، قد أتقبل اسلوب ومضمون النقد الذي وجهه إلى الحكومة، ولا أشعر بالتناقض بين محتوى تلك التغريدات، وبين مبدأ الشخص الذي وجه النقد لو أتى من شخص تعودنا منه هذا الخطاب النقدي واليساري حول سياسات الحكومة بشكل عام. لكن أن يأتي هذا النقد من شخصية لها وضعها الاجتماعي والسياسي ويحسب على الحكومة كتوجه يمين محافظ؛ فهذا ما لا أستطيع فهمه وتقبله في ذات الوقت كمتلقي. إن هذا الموقف المتناقض يفتح باب الحيرة والشك والتساؤل بداخلي كمواطن. لماذا؟! ولماذا في هذا التوقيت بالضبط؟!. أين هذا العضو من هذا النقد طوال فترته البرلمانية، والتي شارفت على الانتهاء؟!، مع علمي بوجود قضايا كبيرة كانت ولا تزال تشكل أهمية عن ما تم ذكره ولم يناقشها ولم ينتقدها!. كما أتسائل: أين هذا النقد قبل ذلك في هذه القضايا التي طرحها، والتي ليست بجديدة؟!
وسريعا، سأستعرض بعض من الرسائل الضمنية التي أوصلها البرلماني المعني للشارع العماني عبر تغريداته، وأستطيع أنا كمتلقي فهمها، وهي كالآتي: التغريدة التي ذكرتها في مطلع حديثي تدعو لفكرة: أن كل البروباجندا حول الحكومة الرشيدة وسياستها الحكيمة بشكل عام، وحول التخطيط وتنويع مصادر الدخل بشكل خاص، والتي يرددها إعلامنا ووزراؤنا وأعضاء مجلس عمان والعضو ذاته سابقا كانت مجرد “وهم”!.
وهنا مثال آخر لإحدى تغريداته، ويقول فيها: “لو كان يستمع – يعني أصحاب القرار الحكومي- لمجلس الشورى ويأخذ بمرئياته؛ لكان الوضع مختلفا. للأسف القرارات والسياسات ما زالت من طرف واحد!!”. والرسالة الضمنية لهذه التغريدة هي: أن كل الأحاديث السابقة المتشدقة حول الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس الشورى كانت مجرد “كذب وضحك على الذقون”.
وهنا أيضا مثال آخر: “أما عن الإنفاق الحكومي الذي وصل لحاجز (١٥) مليار ريال سنويا؛ فيجب مراجعته ومراقبته بدقة متناهية، وترشيده”. والرسالة الضمنية لهذه التغريدة هي أن ما تنفقه الحكومة من مليارات سنوية لا توازي حجم الإنجاز السنوي في البلد، وهذا اعتراف على “حجم الفساد الكبير الذي تعاني منه الدولة ويتورط فيه كبار من رجالات الحكومة سواء على صعيد الاختلاس المباشر أو التحايل أو المحسوبية”.
طبعا هذا التناقض لم يقع فيه محمد البوسعيدي فحسب، بل العديد ممن شاركوا في وسم #انتهى_شهر_العسل. والمضحك والمحزن في ذات الوقت عندما تقرأ نقدا لاذعا من مغرد ما، فيذهلك هذا الشخص ويشدك الفضول للتعرف عليه أكثر، لكن عندما تتصفح حسابه وتقرأ التغريدات السابقة؛ فإنك تتفاجأ بحجم التناقض في موقفه من سياسات الحكومة؛ فتارة يصفها بالرشيدة والحكيمة وتارة أخرى يصف سياساتها متخبطة!!
في الحقيقة، هذا التناقض جزء لا يتجزأ من مكونات الفرد العماني، وهنا لا أعمم بدون شك؛ فهناك نماذج استثنائية. كما ينبغي التفريق بين مستوى التناقض المتفاوت من شخص لآخر. وهناك عوامل كثيرة تساعد في ترسيخ هذا التناقض، أهمها السياسة الإعلامية الحكومية التنموية التي ترسخ في ذهن المواطن أن الحكومة الرشيدة لا تخطئ، وأن كل سياساتها حكيمة، وأن الدولة في نمو مستمر ومتصاعد. وهذا صحيح بدون شك، فهناك نمو لا ينكره أحد وأبسطه ذلك المرئي في مستوى البنية التحتية، لكن واقعيا لا يبنغي أن يكون بالمستوى الخيالي الذي يصفه به الإعلام. إن كل ما يتحدث عنه الإعلام مجرد نمو، وليست تنمية مستدامة في الغالب؛ فحجم هذا الاختلاف بين الواقع الذي يعيشه المواطن وبين مايردده الإعلام يساهم في تشكيل وترسيخ التناقض في قناعات المواطن العماني.
كما تشكل البيئة العائلية والاجتماعية بشكل عام دورا مهما أيضا في ترسيخ وتعزيز مفهوم الخوف من السلطة الأمنية، وتحاول بصورة تلقائية مجابهة أية محاولة تمرد من أي عضو في العائلة خوفا عليه من بطشها. وبدون شك، يعد هذا السلوك عاملا مباشرا في خلق التناقض أيضا، حيث أن مفهوم النقد لدينا ما زال جديدا وغير مُتقبل اجتماعيا وعلى مستوى الحكومة أيضا، فكثيرا ما تتحسس السلطة الأمنية منه. وهذا ما يفسر نجاح وسم #انتهى_شهر_العسل، ومشاركة العديد من المواطنين في التعبير عن مخاوفهم من المستقبل ونقدهم لسياسات الحكومة. لكن هذا النقد لم يتجرأ على قوله الكثيرين قبل ذلك ممن شاركوا في الوسم خلال هذه الأيام، إلا بعد الإحساس بنوع من الراحة والأمان. وهذا الأمان تشكل لديهم بعد تأكدهم أن “هناك” عضو برلماني سبقهم في النقد!.
وهذا الموضوع يذكرني بقصة واقعية توضح حجم التناقض لدى الإنسان العماني، ورواها لي أحد الأصدقاء المقربين قائلا: قبل أحداث الربيع العماني – 2011م- بأيام قليلة، تعرضت لحادث مروري وتصادمت سيارتي مع سيارة مواطن عماني آخر، وتم احتساب الخطأ عليه حسبما أفادت الشرطة؛ لكن مركبة هذا المواطن لم تكن تخضع للتأمين. ومرت الأيام، وبدأت الإعتصامات في ساحة الشعب أمام مجلس الشورى، واثناء خروجي من البيت وأنا أنوي الذهاب لساحة الشعب، صادفت وصول هذا المواطن أمام البيت فجاء باحثا عن التنازل من قبلي. وكانت أعذاره أنه رجل بسيط الحال وراتبه قليل ولديه صعوبات مادية، وأنه يعيل أسرة…….. إلى آخره. كنت مستعجلا فقلت له سنتحدث في وقت لاحق؛ فأنا ذاهب إلى الاعتصام. هنا ظهرت المفاجأة وظهر التناقض في عقلية هذا المواطن عندما علم بمشاركاتي اليومية في الاعتصام. تحول محاميا ومدافعا عن الحكومة، موضحا أن الحكومة “أبدا ما مقصرة معنا، وأنتم ناكرين للمعروف، والحمدالله عايشين في خير ونعمة!”.
لاشك أن منهجية التعبير عن الرأي التي عكستها مواقع التواصل الاجتماعي، ساهمت في كشف الخلفيات السياسية للأفراد والتعبيرات التي تنم عن رغبتهم الحقيقية في الإصلاح والتغيير؛ بل وموقفهم من كافة الأحداث أيضا. وأن السياق التاريخي الواضح الذي تبرزه مواقع معينة في تحديد سلوك الرأي العام كموقع تويتر وعبر ميزاتها التفاعلية، تمكنك من معرفة مستوى مصداقية الرأي وتاريخ الفرد في النشاطات التي تعبر عن رأيه حول الأحداث بصورة عامة. والاختلاف ليس القضية هنا؛ فالاختلاف سلوك انساني بحت، ولاشك أننا مختلفون في الأفكار، وفي نظرتنا العامة حيال الأشياء من حولنا؛ لكن القضية تتضح في ارتباط الشخص بالمبدأ الذي يعبر عنه، والمصالح العامة التي تقف خلف التعبير عن آراء بعينها دون الأخرى.
*نشر المقال في مجلة مواطن