القدس العربي: «اللايقين»… رواية للعماني محمد الفزاري

 



صدرت رواية اللايقين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (يناير 2024) تتناول الرواية حكاية تشكل الوعي ، والتبدلات الفكرية لذاتين عايشتا مختلف الأنماط والاتجاهات : بدءا من القرية البسيطة التي تكتنفها الهوية الضيقة ، مرورا بالمدينة حيث تتشكل الذات مثل شرنقة ترنو للخلاص ، وانتهاء بالاغتراب الداخلي الذي مهد للغربة الجسدية حيث المآل لاحتمي لمن يرفض الخنوع ويختار النمط الأصعب من العيش في مقابل ألا تسلب كلمته منه .



يخلق الكاتب في عمله هذا عالما سياراً يطوف بالقارئ بحركة أخطبوطية لولبية، تستقز المتلقي في وعيه، وتسهم بزعزعة اليقينيات المترسخة بفعل التلقين، والتعزيز الأبوي له، والاحتضان الاجتماعي لكل القوالب الفارغة من أي معنى .هو في كل هذا ، يهز كيانات الهوية والجماعة والدولة ، وينخلها ليختبر صدق ادعاءاتها، وهذا هو عمل الكاتب العضو، قياسا على المثقف العضوي.

إنها رحلة ذاتين رفضتا ان تكونا ذاتين عاديتين ، ذاتين آليتين ، وأصرتا على أن تكونا ذاتين لهما اعتبارهما الخاص، ولهما هويتهما التي يشكلانها بنفسيهما ، يخرجان من ريقة الوصاية الى مأزق الحرية ، أنه مأزق المسؤولية المتولد عنها . من السهل العيش حسب رغبة آخرين، لكن من الشاق جداً أن تشق لنفسك طريقة خاصة بك.

مجدداً يعزز الكاتب الإحساس بالجسد، ويعمل على إعطائه مكانته في حين تبتذله كثير من المنظومات المعرفية، لاسيما الدينية ، وتجعله مرتبطا بالتراب/ الأرض إسقافاً وتقليل شأن. أما هنا فالجسد نص منفتح الوعي على العلاقة فيما بين الذات والآخر.
في كل هذا العبث الوجودي، يسخر الكاتب من اليقينيات، ويستنكر بحنق دفين : كيف يسوغ لأحد أن يدعي اليقين في أي دائرة : الهوية، والجماعة، والدولة ،والعالم. إن من يدعي اليقين واحد من اثنين : إما أن يكون مخبولا، وإما أن يكون – وهو الأرجح – نصاباً.

في أن تكون الكتابة ملجأ وملتحد، وعقاراً مهدئا. في أن تغدو الكتابة مفارقة للزمن، وخروجا مؤقتا عن شروط الواقع المعاش، ومعايشة لعوالم مخلوقة بيد الكاتب نفسه . في أن يتقمص الكاتب دور الخالق: يخلق ، يحيي، يميت. في أن نخترق الزمن، ونحاول الخلود، تماما كفعل الرب . في النهاية، ألسنا مخلوقين على صورته . في جدلية العلاقة بالسلطة المجتمعية والسلطة الحاكمة، تتوه الذاتان اللتان تحاولان تحقيق شروط الإنسانية في بقعة من العالم لا تسمح بذلك إلا في حدود ضيقة، بعد أن تتأكد أن ذلك لا يتماس ومصالحها. تقع الرواية في 256 صفحة من القطع المتوسط.


رابط التقرير:

- Online shorturl.at/cqvH7 - PDF shorturl.at/zMNT2

تعليقات

المشاركات الشائعة