ظواهر مجتمعية أسهم الاستبداد في خلقها لتسهم في إطالة عمره - محمد الفزاري
(1)
يلاحظ في مجتمعاتنا العربية والخليجة خاصة، أن غالبية الساكنين -المواطنين في مفهوم الدول الدستورية الديموقراطية- تتعامل مع الحاكم ليس ككونه حاكما وقائدا يشغل مسؤولية إدارية قدر ما تنظر له كأب. وهذه من إحدى الإنجازات الخبيثة التي حققتها السلطات العربية عندما أسقطت مفهوم الأبوة على الحاكم؛ فتحول من مسؤول وقائد إلى صفة أخرى عاطفية ليست لها علاقة بتاتا في شكل الدولة. ولذلك نلاحظ من خلال هذه الظاهرة حجم التبريرات العاطفية التي يقدمها هؤلاء الساكنين عن كل تقصير وإخفاق يقوم به هذا المسؤول. ليس هذا فقط، بل يصل الحال إلى مهاجمة كل منتقدي هذا المسؤول ووصفهم بعبارات في العادة لا تطرح إلا في سياق علاقة الأب بأبنائه. ولهذا وجب على هؤلاء الساكنين أن يمايزوا بين علاقتهم بهذا المسؤول كإنسان وكقائد مسؤول عن سلطاته وإخفاقاته لو أرادوا العتق من حالة المساكنة إلى المواطنة.
(2)
مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي برزت ظاهرة غريبة جدا أطلق عليها البعض بظاهرة “المواطن الكلب”. حيث ينتشر في هذه المواقع العديد من الحسابات سواء كانت لأناس حقيقيين أو وهميين تمارس هذه الحسابات الدفاع المستميت عن إخفاقات المسؤول القائد وتبرر كل قراراته التي تكون ضد مصلحة المواطنين. كذلك تجدها بكل وضوح تقف مترصدة إلى الدعوات والمطالبات التي يمكن من خلالها أن يسترد الساكن إحدى حقوق المواطنة المسلوبة عنه. بيد أن ما يميز “المواطن الكلب” هو دعواته إلى تقليص حقوق المواطنة وتكريس وضع المساكنة. لكن بشكل عام أراها نتيجة طبيعية؛ فهي إحدى إفرازات الأنظمة العربية خاصة الشمولية منها. الأنظمة التي تحاول تغيير ماهية مفهوم المواطنة، من مفهوم قائم على الحقوق والواجبات إلى تطبيل واستنفاع!هذه الظاهرة الخطيرة يجب دراستها سوسيولوجيا بشكل معمق وجاد.
(3)
لا أتوقع أن هناك من يختلف على أن الأكثر خطرا على نمو ورقي وتقدم أي دولة هو الفساد المالي والإداري الذي يصيب جسد الدولة. لكن هنالك ظاهرة لا تقل خطورة عما سبق ذكره على أي بلد إذا لم تكن أكثر خطرا. لأن كل أهل الفساد وشبكاتهم العميقة في الدولة سيأتي يوم مهما طال الزمن ستنكشف فيه سواد سريرتهم وخبث أعمالهم أمام الملأ. والأهم من ذلك أنهم يبقون خطرا معروفا كظاهرة وليست مجهولة. بيد أن أهل هذه الظاهرة خطر يتغلغل بين فئات من الناس لا يتوقع المجتمع أن يأتي منهم ما يضرهم؛ مختبئين بين المنادين بالإصلاح من مثقفين وإعلاميين. ويكمن خطرهم في شكل الأسلوب المتبع سواء كان بقصد أم بغير قصد عندما يبعدون ويشتتون أعين الناس الساكنين في الدولة مسؤولية ودور الحاكم والمسؤول الأول في البلد عن كل عجز وتقصير. هؤلاء الناس يسهمون بشكل غير مباشر في إطالة عمر المشكلة وتفاقمها؛ حيث إنه لا يمكن إطلاقا إيجاد حل جذري وناجع إذا لم يتم تحديد كل الأطراف المسؤولة عن المشكلة دون أي استثناء خاصة لو تعلق هذا الاستثناء بالمسؤول الأول.
فأهم مقومات نجاعة الحل: 1- تحديد المشكلة، 2- الاعتراف بالمشكلة، 3- تحديد المسؤول عن المشكلة؛ ورأس السلطة هو المسؤول الأول 4- عدم الاعتماد على من هم أساس المشكلة، لحلها؛ فمن كان جزءا من المشكلة لا يمكن إطلاقا أن يكون جزءا من الحل، 5- إعطاء فرصة متساوية لجميع الأصوات المختلفة بالتعبير عن رأيها بحرية حول ما ذكر؛ فالصوت الواحد يخلق مجتمعا آسنا، ولن يستطيع حل أي مشكلة لأنه في الغالب هو أصل المشكلة.
رسالة:
رسالة أوجهها لي بادئ ذي بدء. كن أنت فقط حتى لو كلف الأمر إلى نعتك بأشنع الأوصاف مثل عدم الوطنية والخيانة. علّك أن تكون موضوعيا ومستقلا في الرأي وفي المشاعر. التضامن غير الموضوعي حفاظا على بقائك ضمن السائد.. ضمن القطيع.. في نطاق العقل الجمعي الذي يجمعهم، سيجعلك رأسا إضافيا في القطيع ليس إلا. مهما حاولت تجميل الحقيقة لا يمكن تجميلها.