سوريا والسعودية: رأسا قطار الشرق الأوسط الجديد جيوسياسيا وآيديولوجيا - محمد الفزاري





السعودية:
تكاد فرحتي بظهور محمد بن سلمان مثل فرحة الفيلسوف الألماني هيجل بنابليون وقت دخوله وطنه ألمانيا غازيا محتلا. عبر هيجل قائلا: “لقد رأيت الأمبراطور روح العالم ممتطيا صهوة جواد يستكشف المدينة، إنه لإحساس عجيب أن ترى مثل هذا الفرد متمركزا هنا في نقطة واحدة ممتطيا صهوة جواد، ومع ذلك يعبر العالم ويتحكم فيه”. ما دفع هيجل للتهليل بنابليون ليس لأنه خائن لوطنه ولمبادئه، وليس لإعطاء قيمة إيجابية للحرب والدمار؛ بل لإعطاء قيمة إيجابية في اتجاه فلسفة التاريخ إذا آمن أن المشكلة ستكشف لإلمانيا حقيقتها المخفية وستسقط الأقنعة وستتهافت الخطابات الخاوية التي تقدم القول على الفعل.
محمد بن سلمان، مهما اخلفنا أو اتفقنا معه، لأنه فوق كرسي الملك لدولة غنية ماديا وذات رقعة جغرافية كبيرة، والأهم وجود مقدسات المسلمين تحت كرسي ملكه؛ لا محاله فهو نقطة فارقة وقطيعة تاريخية سيظهر أثرها الإيجابي الأهم في المستقبل لكن ليس القريب. الإيجابيات التي تحققت في الداخل السعودي كما يراها السعوديون منذ قدوم ابن سلمان، هي إيجابيات جيدة لا ننكرها لكنها ليست أهم من الإيجابيات التي ستظهر مستقبلا، وقد تكون نتيجة أفعال ابن سلمان التي ظاهرها سلبي وليست نتيجة أفعاله التي ظاهرها إيجابي. ولا أعني هنا أن بن سلمان يخطط لكل هذا ويقصد خير الأمة العربية.. وقد يكون.
ولهذا أنا سعيد جدا بالصراع الخليجي – رغم سلبياته المؤقتة على الشعوب الخليجية، إلا أن المستقبل سيؤكد أننا كشعوب خليجية كنا بأمس الحاجة لهذه الصدمة.. لهذا الصراع بين الأسر الحاكمة؛ إذ أظهر على السطح قذارة الأنظمة الخليجية التي أنكروا وجودها وقت صلحهم واتفاقهم. هذا الديالتيك الخليجي – الخليجي، والسعودي – السعودي، والعربي – العربي باختلافاته سواء كان سياسيا أو آديولوجيا أو جيوسياسيا، نحن كشعوب عربية في أمس الحاجة له للنهوض والصحوة بعد سيطرة ثالوث النكبة: الغفوة الإسلاموية الوهابية والإخوانية، وأنظمة الحكم الوطنية التي في الحقيقة لم تكن وطنية، وتحالف المشيخات الخليجية.

سوريا:
أرى أن الثورة السورية يمكن تلخيصها في عبارة قالها ثائر الحاجي – ممثل اتحاد تنسيقات الثورة السورية سابقا والأمين العام لتيار سوريا المستقبل – في حوار بيننا: “لو المجتمع الدولي وجد من هو أكثر استبدادا وسفكا للدماء من بشار، لخلعوا بشار من كرسيه واجلسوه مكانه”. الجميع سعى لبقاء الأسد وتأمين مصالحه فقط، أما مصلحة الشعب السوري لم تكن إلا شماعة أخلاقية تستخدم إعلاميا لتبرير وإخفاء الحقيقية المرة.
ماذا أراد المجتمع الدولي من ثورة سوريا؟ أمريكا استغلت الموقف لخلق فوضى خلاقة حسب تعريفها لتحقق عدة أهداف وأهمها بيع السلاح بأكبر قدر ممكن لكل الأطراف، كذلك تقسيم وتفتيت وإضعاف المنطقة. أما روسيا فأرادت بجانب بيع السلاح تأمين معقلها الأهم في الشرق الأوسط بمساندة إيرانية، الحليف الأقوى في المنطقة، وتقاسم نفوذ. كذلك أرادت روسيا تأمين عدم مرور خط الغاز الذي سعت له قطر بمساندة أمريكية نكاية في روسيا لمده إلى أوروبا الذي سيخلص الجارة العجوز من ابتزاز روسيا من أجل الغاز. ولم تختلف تركيا عن ذلك، فلولاها لما استطاعت معظم تلك القوى تحقيق أهدافها بتلك السهولة. تركيا فتحت الحدود للمجاهدين خاصة القادمين من أوروبا لمساعدتهم على التخلص منهم واستخدام سوريا كمكب نفايا. ومن خلال تركيا تم إيصال أموال الخليجية إلى الجماعات المسلحة.
لكن الأهم، وهذا يشمل ويخص السعودية والإمارات، هو قتل الثورة وإجهاض الروح الثورية التي اجتاحت المنطقة 2011 لكي لا تتمدد وتصل إلى الخليج وتسبب في إسقاط العروش الخليجية. فكم عدد المواطنين العرب الذين ما زالوا بنفس الأمل الذي بعثه الربيع العربي في بدايته؟! انتهى بسبب الصورة السيئة التي استطاع المجتمع الدولي تكريسها في اذهان الناس حتى أصبح المواطن العربي يفضل الاستبداد والعيش تحت جزمة المستبد بدل أن يعيش الظروف السورية نفسها.. الجزمة ولا الموت والخراب.

* مقدمة العدد 31 من مجلة مواطن

المشاركات الشائعة