لغز الخلافة في عمان.. محللون يخشون مواجهة أي حراك شعبي بالقوة - ترجمتي في مجلة مواطن - محمد الفزاري
نشر the Christian Science Monitor عبر موقعه تقريرا حول واقع الخلافة في عمان ومآلات المستقبل، وأعد التقرير صحافي يدعى .Taylor Luck تنشر مواطن التقرير مترجما للعربية مع وضع بعض التعديلات التي لا تلغي ما احتواه من مضامين.
– ترجمة: محمد الفزاري
السلطان قابوس الذي لا يملك أبناء -استخدم الثروة النفطية لبناء دولة وضعها بشكل استراتيجي كلاعب خليجي عربي مهم- قد وضع آلية انتقال الحكم سرية في محاولة لضمان الاستقرار، ولو على المدى القصير فقط.
السلطان قابوس، زعيم عمان المريض، هو رئيس وزراء دولة صغيرة لكنها غنية. وهو كذلك رئيس الدولة، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، والقائد العام. كل تلك المناصب تحت سلطته.
في كل مكان السلطان قابوس يلوح في الأفق. صورته تحيي الزوار في المطار، اسمه يزين الطرق والمدارس والمستشفيات والموانئ والملاعب والجامعات. وأكبر مسجد في كل مدينة رئيسة يحمل اسمه. تقريبا كل عماني لديه قصة عن زيارة السلطان لمدينتهم أو قريتهم. الولاء إلى عمان يعني الولاء إلى السلطان قابوس.
الآن، مع تدهور صحة السلطان البالغ من العمر 76 عاما، ولأنه لا يملك أبناء، الاهتمام قد تحول بشكل طبيعي نحو خلفه. ولكن هناك مشكلة: لا أحد يعرف من سيخلفه.
وطوال فترة حكمه التي استغرقت خمسة عقود تقريبا -الذي وصل إلى السلطة في انقلاب غير دموي بعد عقود من الاضطرابات والانقلابات في القصر- سعى قابوس إلى تحقيق الاستقرار على حساب كل شيء آخر. ولمنع مؤامرات القصر الداخلية، والتدخل الخارجي من قبل القوى الإقليمية، أو الاقتتال الداخلي بين القبائل العمانية، أبقى قابوس خطط خلافته غامضة.
وقال محللون ومراقبون إن المتاهة المعقدة حول سرية الخلافة وآلية انتقال الحكم، تشمل انتخابات مجلس الأسرة ومظاريف مغلفة على غرار جائزة الأوسكار، قد صممت لضمان الاستقرار.
ولكن هل تلك الآلية في انتقال الحكم ستكون قابلة للتنفيذ؟ يتفق الجميع على أن السلطان المقبل، أيا كان، سيكون له مهمة طويلة لكسب ولاء الشعب الذي لم يعرف ولم يستفد سواء من قابوس. ولكن الأكثر صعوبة سيكون في إدارة مستقبل اقتصاد عمان المعتمد على النفط ومنع الاضطرابات الاجتماعية التي قد تصاحب حتما انخفاض عائدات النفط.
استقرار عمان له أهمية بالنسبة للمنطقة والعالم بسبب موقع البلاد عبر مضيق هرمز مقابل إيران. ويشارك البلدان في السيطرة على الممر المائي الخليجي الحيوي الذي يمر من خلاله 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية.
ويعترف دبلوماسيون غربيون في العاصمة مسقط بأن مضيق هرمز قد يكون “الجائزة الكبرى” في التنافس بين السعودية وإيران، وقد يكون “مصدرا للنزاع المقبل” في حال فقدت عمان ميزانها الدبلوماسي الدقيق بين دولتين ذاتي ثقل إقليمي كبير.
الأب والحامي
السلطان قابوس نصب نفسه أمام الشعب كأب وحامي عمان. ومع اكتشاف الثروة النفطية، أخرج قابوس البلاد من الفقر والانعزال إلى دولة حديثة ولاعب رئيس على الساحة العربية.
حين وصل قابوس إلى السلطة في عام 1970، كانت عمان واحدة من أفقر البلدان في المنطقة. لم يكن لديها سوى ثلاث مدارس، وكان 66 في المائة من السكان البالغين أميين، بمن فيهم 88 في المائة من النساء. وواحد من كل خمسة أطفال يتوفى قبل بلوغ سن الخامسة. وكان متوسط العمر المتوقع 49.3 سنة.
و نما الناتج المحلي الإجمالي العماني من 256 مليون دولار في عام 1970 إلى أكثر من 80 مليار دولار. ويوجد اليوم 1230 مدرسة، وانخفضت نسبة الأمية بين الكبار إلى 5.2 في المائة. وحاليا يوجد 59 مستشفى، وارتفع متوسط العمر المتوقع إلى 76 عاما.
وطوال التحول الكبير في عمان، أضاف السلطان قابوس لمسة شخصية حتى على مستوى التدخل في تقنين وتنظيم الموضوعات البسيطة. وقد تركت هذه اللمسة الشخصية بصمة على العمانيين؛ فأصبح ولاؤهم لقابوس أصيلا وواقعا ملموسا.
من حوض بناء السفن في صور، جمعة بن حسون، مالك الحوض وباني السفن العمانية المصنوعة يدويا من خشب الساج، يتذكر عندما السلطان حثه على العودة إلى وطنه من الكويت وفتح المحل. “جلس السلطان هنا طوال الليل، وفي نهاية الليل قبل أن يغادر، أعطانا حقيبة من المال وأمرنا بمباشرة عملنا”.
لغز الخلافة
قابوس يعاني من تدهور صحته منذ عام 2014، حيث أمضى أشهرا متواصلة في ألمانيا لتلقي العلاج. وكان نادرا ما يظهر في المناسبات العامة على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ووفقا للخبراء، هناك 85 فردا هم ورثة شرعيون لقابوس من ذرية أسرة آل سعيد المالكة ومن والدين عمانيين.
وبموجب الدستور الحالي، سيقوم مجلس الأسرة باختيار الخليفة في غضون ثلاثة أيام من وفاة قابوس. وإذا فشلوا في التوصل إلى توافق في الآراء، السلطان قابوس ترك وراءه ظرفين مختومين في موقعين منفصلين، يحمل كل منهما اسم خلفه المفضل. لكن أي واحد من 85 يمكن أن يخلف قابوس بعد وفاته.
و يقول أحمد المخيني -محلل سياسي عماني- “الأسرة الحاكمة لديها تاريخ في الصراع على السلطة بين الخلفاء والأشقاء حتى قتل بعضهم البعض. وإذا كان الخليفة اسما واضحا ومعلوما، هناك العديد من الجهات والأطراف الفاعلة التي قد تحرض أفراد الأسرة ضد بعضهم البعض… إذا لم يكن هناك خليفة محدد، بطريقةٍ ما النظام سيكون أكثر استقرارا”.
على مر السنين، قابوس بذل قصارى جهده لعدم تفضيل أحد الأقارب الذكور على آخر، حتى لا يكشف عن نواياه. ومع ذلك، فإن المراقبين غالبا ما يسمون ثلاثة مرشحين مفضلين: أسعد، شهاب، و هيثم، أبناء طارق، عم السلطان قابوس.
وحتى وقت قريب، كان عدد قليل منهم من يتمتع بخبرة مباشرة في مجال الحكم. وفي 3 مارس أصدر قابوس مرسوما سلطانيا بتعيين أسعد بن طارق نائبا لرئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، وهو مثال نادر في إشراك العائلة المالكة في شؤون الدولة. وبعض المحللين عدها إشارة بأن أسعد، في عقده الستين، قد يكون السلطان القادم. لكن الدبلوماسيين والمحللين الغربيين يوافقون على أنها مجرد تخمينات قد لا تصح.
مفترق طرق إقليمي
ومع ذلك، فإن ميل قابوس للسرية ليس فقط بسبب موقفه الشخصي ولتجنب الصراع الداخلي. ويقول المراقبون إن هذا النظام هو رد فعل على واقع عمان المضطرب مع جيرانها من الدول، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وإيران التي تقع على بعد 35 ميلا من الساحل.
وقد حافظ قابوس على حياده على مدى عقود في الوقت الذي تآمرت فيه القوى الإقليمية المختلفة ضد بعضها البعض. وتحافظ عمان على علاقات سياسية واقتصادية قوية مع ايران، وهى شريك تجاري قديم، فى الوقت الذي تقيم فيه علاقات كاملة وودية مع منافستها المملكة السعودية.
واستثمرت عمان واقعها الجغرافي والسياسي بين شبه الجزيرة العربية وإيران، لتلعب دور الوسيط بين دول الخليج العربية والغرب وإيران، بل ساعدت على التوسط في اتفاق إيران النووي لعام 2015.
وإعلان الخليفة، سيفتح الباب أمام إمكانية السعودية أو الإمارات أو إيران في تفضيل السلطان المقبل أو استخدام ثرواتهم أو وكالات الاستخبارات للسيطرة عليه.
وقال المحلل جيورجيو كافيرو -مدير شركة الخليج لتحليلات – وهي شركة استشارية مقرها واشنطن، “ليس سرا أن هناك تصورات سلبية في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى حول علاقات عمان المتنامية مع إيران”.
وأضاف “هناك فرصة جيدة أن يحاول أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا السعودية والإمارات العربية المتحدة الضغط على خليفة السلطان قابوس لإدارة سياسة خارجية أكثر انسجاما مع الرياض وأبوظبي”.
علاوة على ذلك، هذه السرية تحمي أيضا إرثا آخر مهما لقابوس وهو موازنة مختلف القبائل والأقليات الدينية التي تشكل دولة عمان، القوات الأمنية، المحاكم، المدارس المحلية، الإباضية، قبائل الداخلية، والشيعة، والتجار الساحل، والمغتربون العمانيون من شرق أفريقيا. والمنافس لعرش السلطان قد يزيل بسهولة هذه التوازنات الدقيقة.
التحديات الاقتصادية
بيد أن السرية المحيطة بوارث قابوس قد تبقي السلطان المقبل غير مستعد على نحو مؤلم للأزمة الاقتصادية المحتملة القادمة على البلاد. ووفقا لدراسات مختلفة، حسب الإنتاج الحالي من المتوقع أن ينفد النفط في عمان بعد 15 عاما. ويقول الخبراء إن عمان تحتاج نحو 55 دولارا من بيع كل برميل نفط لدفع مرتبات القطاع العام. وعندما يتأرجح سعر برميل النفط أو ينخفض إلى ما دون 55 دولارا – كما هو الحال لبعض الوقت- عمان تواجه إشكاليات اقتصادية.
في عام 2011، اندلعت احتجاجات في عمان بسبب نقص الوظائف والفساد أدت إلى القتل. استجاب قابوس لمطالب المتظاهرين بزيادة التوظيف العام وارتفاع الرواتب والمكافآت التي لا تزال الحكومة تدفع ثمنها.
المحللون والعمانيون بشكل خاص متخوفون: كيف يمكن للسلطان الجديد، الذي لا يتمتع بالخبرة ولم يستعد لهذا المنصب والحريص على كسب المصداقية، كيف سيتعامل مع ردود الفعل؟!
ويقول المخيني: “مع تزايد عدد الباحثين عن عمل، إذا لم ينم الاقتصاد ولم يستطيعوا تقديم مشاريع، فسوف ينتهي بهم المطاف إلى قنبلة اجتماعية… السلطان الجديد لن يكون له نفس المصداقية مثل السلطان السابق الذي تساعده مصداقيته إلى أن يصل إلى توازنات”.
وأشار دبلوماسيون غربيون إلى تزايد عدد قوات الأمن والعسكر في عمان، ويخشون من أن أي تحديات لحكم السلطان المقبل، يحتمل أن يكون محركها اقتصاديا، وأن تواجه بالقوة.
يقول دبلوماسي غربي مقره في مسقط: “إذا كان السلطان القادم ضعيفا، فمن المحتمل أن يعتمد بشكل كبير على الجيش.. وأي سوء فهم مع المتظاهرين قد يشعل الشارع”.