نعم أنا ملحد بربكم الداعشي - محمد الفزاري
ما أكثر الأوصياء! ما أكثر الدواعش! ما أكثر محامي الرب! بالأمس نشرت "بوست" في صفحتي وأنا أبكي حرقة بسبب مناظر الموت العبثية العشواء التي لم يسلم منها حتى الأطفال وهم في عمر الزهور، قائلا: "هل هناك حقا إله؟! وإذا كان يوجد، هل هو عادل؟! كرهتني، أشعر بالعار والخزي كوني كائن بشري."
تخيلتني مكان أحد هؤلاء الأطفال: ما ذنبي أن أقتل؟! ما ذنبي أن تهدر آدميتي؟! تخيلتني أحد الآباء واقفا أمام كومة من الأشلاء البشرية أحاول تمييز ما تبقى من جثة طفلي! كرهتني في ذلك الوقت كوني كائن بشري، لأنه لا يوجد كائن آخر يتجرأ فعل ذلك.
صحيح لم تكن هذه أول حرب نرى نتيجتها مثل هكذا صور، لكنها تراكمات النفس. تراكمات ألم خبطات الموت الموجعة، بكل أنواعه. كان مشهد صغير آخر فقط من مشهد أكبر، لإحساس ساورني منذ مدة وأنا أتأمل في حقيقة الموت.
أكثر خبر يهز بدني ويخيفني، خبر الموت المفاجئ. ليس لأني أخاف الموت؛ فكم تمنيت الموت في لحظات اكتئاب حادة، وكم حاولت الإنتحار وخططت له وخمرة الفكرة في رأسي حتى فسدت، لكنه يريني بكل وضوح حقيقة هذه الحياة التافهة. إنها ليست أكثر من عبث نحاول أن نتجاهله رغم معرفتنا به. وكل ما ننسى وننغمس في الحياة ومتعها بشعور أو لا شعور، يخبطنا الموت المفاجئ على رؤوضسنا خبطة تهوي بنا إلى قاع عدمية متطرفة نفقد بسببها رؤية جميع الألوان، إلا اللون الأسود. لا ترى إلا سوادا إذا نظرت خلف ظهرك، ولا ترى إلا سوادا إذا نظرت أمام قدماك، وحتى لو حاولت أن ترمي بنظرك بعيدا محاولا تجاوز السواد لا تستطيع، تراه ينتظرك هناك مبتسما: تعال.. تعال.. تعال.
في منشوري طرحت ألمي بفكرة تعمدتها. بطريقة تضمن لي الاستمرار في هذه الحياة، مؤمنا في حقي الكامل في التعبير عن أفكاري بكل حرية، مثلما قال درويش: "سنكتب من أجل ألا نموت، سنكتب من أجل أحلامنا". والسبب الآخر الذي دعاني لقول ذلك، هو لاختبار حقيقة التسامح التي يدعيها الكثير منا. لم تكن لدي مشكلة مع من أختلف مع الفكرة بكل احترام. المشكلة كانت مع من يدعون براءتهم من الأفكار الداعشية المتطرفة كل يوم. في ذلك اليوم ظهروا على حقيقتهم؛ فلو تمكنوا من رأسي وكانت لهم الكلمة؛ لفصلوه عن باقي الجسد. ما أسهل الادعاء بالشيء، وما أصعب تطبيقه في الواقع. من السهل جدا أن تدعي الثقافة وتقتبس عبارات التسامح والحرية والديموقراطية وترددها في كتاباتك وحواراتك، لكن المحك الحقيقي لاثبات ثقافتك هي مواقفك.
في هذا العالم إجابات كثيرة، وأسئلة قليلة. ما أصعب الأسئلة، وما أسهل الإجابات. ما أصعب حمل السؤال والشك، وما أسهل حمل الحق واليقين. من الصعب أن تشير بأصابع الشك إلى يقينياتك، ومن السهل أن تشير بأصابع الكفر إلى تساؤلات وشك الآخر في يقينياتك. ومن السهل جدا أن تحارب عن يقين تدعيه في إيمانك برب ما، ودين ما، ومذهب ما؛ فمعظم البشر يفعلون ذلك بدرجات متفاوتة رغم اختلاف اليقينيات التي يحملونها. معظم البشر لا يتعلم من تجربته، رغم أن مايدعيه من حق اليوم، بالأمس كان يخالفه. يستمر ويستمر في مسلسل ادعاء الحق المطلق حتى يموت!
ملاحظة: أنا لست ملحدا، ولم أدعي ذلك يوما. وإن كنت حقا كذاك، لن أخجل ولن أخاف من التصريح لو استدعى الموقف؛ فهو خيار شخصي وحق أصيل لا يستطيع أي مخلوق منازعتي إياه.