في أول حوار له بعد لجوئه السياسي لبريطانيا.. الناشط العماني محمد الفزاري يكشف أسباب هروبه من (سوط الجلاد) - محمد الفزاري
نشر هذا التقرير في صحيفة شؤون خليجية تاريخ 24/ 7/ 2015.
* السلطة العمانية لا تريد أي صوت مخالف لها.. ومن يختلف مع السلطات مصيره السجن
* خرجت من بلدي مجبرًا.. واعتقلوا شقيقي فور إعلاني اللجوء السياسي
* (بيع الوطن) اتهام يجب توجيهه للمتفردين بالبلد وثرواته
* تكريس الصوت الواحد سيوقف عجلة التقدم بعمان
* الولاء للنظام العماني هو المعيار للحصول على الحقوق
* القضاء العماني غير مستقل عن أهواء السلطة في القضايا السياسية والحقوقية
شؤون خليجية - ريهام سالم
"أخيرا شفت باص لندن الأحمر بوطابقين عالواقع".. هكذا أعلن الكاتب والناشط السياسي العماني محمد الفزاري- رئيس تحرير مجلة مواطن الإلكترونية، تمكنه من الخروج من سلطنة عمان وتواجده في لندن كلاجئ سياسي، ناشرًا صورته الشخصية ببريطانيا، وذلك رغم سحب السلطات العمانية- متمثلة في جهاز الأمن الداخلي- وثائقه "جواز السفر وبطاقة الهوية"، أثناء توجهه في 22 ديسمبر ،2014 إلى لندن عبر مطار مسقط لمواصلة الدراسة، وصدور قرار بمنعه من السفر.
"شؤون خليجية"، ينفرد بأول حوار صحفي مع "الفزاري" فور تمكنه من إعلان لجوئه السياسي، متحفظًا على ذكر تفاصيل هروبه وخروجه من السلطنة- مكتفيًا بقول إنه خرج من السلطنة بتاريخ 17 يوليو الحالي، ووصل إلى مطار هيثرو وطلب اللجوء السياسي في المطار، وخصنا بأسباب اتجاهه لهذا الحل، وماذا حدث لأفراد عائلته عقب خروجه من السلطنة، وحقيقة وضعه القانوني، وماذا عن إقامته ودور المنظمات الحقوقية معه، كاشفًا الستار عن حقيقة وجود حالات مماثلة داخلة السلطنة.
إلى نص الحوار..
** اكشف لنا عن أسباب اتجاهك لطلب اللجوء السياسي؟
* السعي وراء حياة كريمة تليق بآدميتي، توفر أبسط حقوقي كإنسان والعيش بسلام وطمأنينة بعيدًا عن سوط الجلاد، بعد ما ضقت ذرعًا من التضييقات الأمنية، وآخرها وضعي في إقامة جبرية لمدة تجاوزت ٧ أشهر، مع سحب وثائقي الرسمية، جواز السفر والبطاقة الشخصية، وقبلها مجموعات استدعاءات واعتقالات أطولها كان سنة ٢٠١٢-٢٠١٣، عندما اعتقلت في قضيتين عرفتا إعلاميًا آنذاك بقضية التجمهر وقضية الإعابة، كل هذه الإجراءات حدثت وتحدث معي ومع الكثير من الناشطين في عمان، لمجرد خلافات بسيطة مع سياسة الحكومة المتبعة في عدة أصعدة!
** لماذا اخترت بريطانيا تحديدًا؟
* عدة اسباب، أهمها وجود ٣ أصدقاء سبقوني في التجربة، ثانيًا عامل اللغة، ثالثًا بحكم أن بريطانيا بلد أوروبي وحضاري يتميز بالحياة والتعددية بشكل كبير. وهذا يعطي أي مقيم فيها فرصة لمزاولة أي نشاط.
** ما الأوراق التي طلبت منك لطلب الحصول على اللجوء، وكيف تعاملت مع عدم وجود وثائق حتى تثبت هويتك؟
* نسخة من جوازي وبطاقتي الشخصية تثبت هويتي، وعدد كبير من البيانات أصدرتها عدة منظمات حقوقية سابقًا في عدة قضايا تعرضت لها.
** لماذا لم تفكر في اللجوء السياسي إلا الآن، رغم معاناتك سياسيا داخل السلطنة منذ أربع سنوات؟
* القرار هذا ليس بالشأن الهين، حيث تترتب عليه عدة تضحيات. ولم أقم به إلا مجبرًا بعد ما شعرت أن السلطة تسلك طريق لا رجعة فيه في التضييق بشكل أكبر وأوسع، والمحاولة لإحكام السيطرة والعودة للمربع الأول ما قبل الثورة العمانية ٢٠١١، بعد ما أجبَرَت على تقديم تنازلات كبيرة ٢٠١١، بعد ضغط الشارع الكبير.
** ما الخطوات القادمة التي ستتخذها في حال حصولك على الإقامة؟
* العيش بسلام والاستمتاع بتجربتي الجديدة ومواصلة دراستي، ولا توجد أهداف موضوعة للنشاط السياسي حاليًا.
** هل نشرك لصورك عبر تويتر بلندن تحدي للسلطات العمانية؟
* طبعًا لا، التحدي مع السلطة بهذه الصورة لن يقدم، بل بالعكس سيؤخر وسيزيد الشرخ، الذي للأسف يزيد بشكل يومي بين الناشطين والأجهزة الأمنية. أنا مؤمن أن كل العمانيين في خندق واحد الآن، إما أن نخرج جميعنا بسلام أو ستكون هناك أزمة كبيرة مستقبلًا لا تحمد عقباها.
يجب أن نعمل جميعًا نحو هدف مشترك، وفي ذات الوقت نتقبل اختلافاتنا، لأنه الحل الأمثل لدفع عجلة التقدم في عمان، لأن تكريس الصوت الواحد سيوقف تلك العجلة وستصدأ بدون شك، لذا أي خطوة أقوم بها إذا لم تكن في مصلحة الوطن أو في مصلحتي كمواطن يبحث عن حقوقه كإنسان، هي خطوة فاشلة.
نشرت الصورة من باب مشاركتي الأصدقاء في مواقع التواصل كلحظة جميلة بالنسبة لي انتظرتها طويلًا، فقط لا أكثر.
** هل السلطات هي التي دفعتك لهذا الاتجاه؟
* سأقول نعم وسأكون كاذبًا، وسأقول لا وسأكون كاذبًا كذلك. في الحقيقة هناك سببان لا أكثر، الأول البحث عن حياة كريمة توفر أبسط حقوقي كما علقت سابقًا، ثانيًا حبي للمغامرة وعيش تجارب جديدة، والبحث عن فرصة لمواصلة دراستي العليا. لذلك السلطة عجلت من قرار خوضي التجربة الجديدة بعد ما ضيقت علي حتى في أبسط حقوقي القانونية والمعيشية، ودفعتني لاتخاذ هذا القرار عاجلًا، رغم كل المخاطر التي من الممكن كنت قد أواجهها.
** ماذا عن الحلول القانونية مع السلطات؟ وإلى أي طريق وصلت؟
* للأسف السلطة لم تكن مرنة ولم تسمح لأي صوت مختلف معها، حتى لو كان فقط في الأسلوب. ورغم نشاطي القانون- حسب القانون العماني- سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في مجلة مواطن، إلا أن السلطة كانت مصرة على أن أتبع أسلوبها الخاص في كل شيء!
** وماذا عن المسلك الحقوقي؟
*إحقاقًا للحق وهذا ما أقوله دائمًا، عمان أفضل دولة عربية تعاطيًا مع الناشطين، لكن هذا القول لا يعني بتاتًا أن الوضع الحقوقي في عمان يطمئن، بشكل عام عمان سياستها مثل أي دولة خليجية في تصنيفها للمواطن الصالح، الذي يمكن أن يحصل على الفتات بكل سلام، من عديم الوطنية الذي يحصل على الفتات مع السوط، أو فقط السوط لا أكثر، المعيار هو مدى الولاء للنظام، ثم تأتي بعد ذلك بمراحل معايير أخرى.
** هل عمان بها حالات مماثلة لحالتك؟
* إذا كنت تعني موضوع اللجوء، نعم أكثر من مواطن عماني حاليًا يعيش في بريطانيا. وإذا كنتي تعني موضوع سحب الوثائق، نعم كذلك. لكن في العادة الغالبية منهم يتحفظون عن إعلان ذلك خوفًا من العواقب.
** ماذا عن القضايا التي تواجهها، وما مصيرها الآن في ظل عدم وجودك داخل السلطنة؟
* القضايا السابقة صدر فيها عفو. ولا توجد علي حاليًا أي قضية، حتى قبل سحب الجواز والبطاقة الشخصية.
** هل ستعود لبلدك في يوم ما؟ ومتى؟
* أرجوا ذلك، لا غنى عن الوطن. لكن ليس قبل أن أحقق كل أهدافي التي وضعتها في تجربتي الجديدة. وبعد ذلك لكل حادث حديث.
** هل هناك أي إجراءات تم اتخاذها تجاه عائلتك بعد إعلانك الوصول للندن؟
* نعم، قبل ساعة وصلني خبر اعتقال أحد أخوتي، وهو ما زال حتى الآن رهن الاعتقال.
** هل لديك إحصائية بعدد العمانيين الذين اضطروا للخروج من البلاد بعد تعرضهم لمضايقات أمنية؟
* لا أملك إحصائية للعدد ما قبل ٢٠١١، وحاليًا يوجد ٤ مواطنين عمانيين كلاجئين في بريطانيا، حسب علمي، وتربطني مع بعضهم علاقة صداقة وثيقة. ولا أعلم إذا كان هناك أشخاص قدموا لجوءًا في بلد غير بريطانيا.
** هل تعتقد أن عمان أصبحت طارده لشبابها وغير قادرة على استيعابهم؟
* السلطة لا تتقبل أي صوت مختلف نهائيًا بحكم سياستها الشمولية المركزية، مثلها مثل أي دولة خليجية أخرى. ومن يحاول الاختلاف معها مصيره السجن، وأقلها التضييق بأشكل وطرق مختلفة. لذا كل ناشط سيكون مجبرًا إما أن يخرس نهائيًا خوفًا من السجن وخوفًا على مصالحة وحقوقه كمواطن، أو دخول السجن، أو البحث عن حياة آمنة خارج عمان.
** برأيك هل الإنصاف القانوني غائب عن سلطنة عمان؟
* لن أتحدث عن القضايا الأخرى التي ليست لها صلة بالنشاط الحقوقي والسياسي، لأني لا أعلم مستوى المصداقية والاستقلالية التي يتمتع القضاء بها، أما فيما يخص قضايا الرأي العام السياسية والحقوقية، من تجربة شخصية، غير مستقل نهائيًا عن أهواء ورغبات السلطة.
** اتهمك البعض عبر هاشتاج خروج محمد الفزاري بالخيانة.. فبماذا ترد؟
* حقًا لا تعنيني هذه الاتهامات، وليس تعاليًا، بل إيمان مني أن لهم الحق في الاختلاف معي، وإيمان مني أيضًا أنه لا يوجد شخص يمكن أن يستطيع جمع كل الآراء المتعددة لصالحه.
ومع هذا أقول لهم: أمركم عجيب حقًا، عندما كنت أنا وغيري من الناشطين ينتقد في عمان، كان الرد منهم مباشرة، من لا تعجبه سياسة البلد فليغادرها ويبحث عن بلد آخر، وكأن الوطن ملكًا لفئة واحدة! والمفارقة الآن، عندما خرجت أنا وغيري سابقًا، وتطبيقًا لنداءاتكم ورغباتكم، وصفتمونا بالخيانة واتهمتمونا بنكران المعروف والجميل!
** هل تعتقد أن السبب الرئيسي للمشاكل السياسية والحقوقية بالسلطنة والتي اضطرتك للخروج ترجع للعقليات التي تدير البلاد؟
* نعم، ولا يوجد ما أضيفه هنا.
** أخذ البعض تعريفك لنفسك على تويتر بأنك مهرطق وربع صحفي وثلث كاتب ونصف ناشط ورئيس تحرير، بأنه دليل إدانة ضدك، متسائلين عن معنى مهرطق.. فبما ترد؟
* سبقتني الابتسامة وأنا أجيب على هذا السؤال، لأنه بالنسبة لي وصف مهرطق هو مدح وليس ذم، وأنا أفتخر أني إنسان مهرطق. وأعني بها هنا الشخص الذي يخالف السائد والمألوف ورأي الأغلبية على جميع الأصعدة. وكما يعلم الجميع هو مصطلح يوناني قديم وظف دينيًا على مستوى الديانة المسحية، لوصف المخالفين لرأي الأغلبية ومعتقداتها، وكان حكمهم في الغالب الحرق والشنق. ورغم بعد الزمنين لكن ما زال العقل الجمعي السائد يفكر بنفس الأسلوب، وينبذ كل فكرة غريبة وغير مألوفة.
** اتهمك مغردون ببيع الوطن.. فبما ترد؟
* الوطن بثرواته وأمنه، ليس ملكًا لأحد لكي يبيعه ويشتريه، هو ملك جميع العمانيين بما يحتويه من ثروات وهذا بخلاف الواقع الحالي، وهذا الاتهام يجب أن يوجه لجهات أخرى تتفرد بالبلد وبثرواته، ولا تبالي بمستقبله، سواء الاقتصادي أو السياسي أو حتى التعليمي والاجتماعي.
** برأيك من هو المسؤول الرئيسي والأساسي عن ما وصلت له الآن؟
* أنا كمحمد طبعًا، وهذه إجابة غير متوقعة، لكن ما أعنيه هنا، أن الكل منا كان يملك الخيار قبل قول "لا" في وجه سلطة متفردة في القرار تغضبها تلك الكلمة، لأن عواقب تلك الكلمة كانت واضحة منذ البداية، لذا أنا من أوصلت نفسي لهذا الحال بعد ما اتخذت قرارًا بقول "لا".
أما من اتخذ قرار التسليم والرضوخ للواقع، سواء عن قناعة أو خوف على نفسه ومصالحه، يعيش في وضع "أمن وأمان" كما تفضل السلطة وصفه.
يشار إلى أن "شؤون خليجية"، سبق أن أجرى حوارًا خاصًا مطولًا مع "الفزاري" نشر على جزأين، كشف فيه أن بريطانيا تعلم من يحكم السلطنة بعد رحيل السلطان قابوس، مشيرًا إلى أن الانقلاب العسكري داخل السلطنة هو احتمال وارد.
وأوضح "الفزاري" أن ضباط الأمن يجبرون النشطاء على جلسات (ودية) لاستمالتهم وترهيبهم، سعيًا لإخراس كل منتقد ومعارض، فيما يهيمن على الإعلام العماني الصوت الواحد (الحكومي)، في ظل عدم وجود صحف معارضة.
وأكد أن مستقبل عمان السياسي مخيف بسبب طريقة انتقال الحكم، مبينًا أن جهاز الأمن الداخلي والمكتب السلطاني هما السلطة المتحكمة بمفاصل الدولة.
وشدد "الفزاري" على أن السلطنة تحتاج إصلاحًا سياسيًا حقيقيًا وحكومة وسلطة شابة، مشيرًا إلى أن السلطنة تدار بواسطة (حلقة قريبة من السلطان مجهولة للشعب)، والمواطن العماني ليس شريكًا في صناعة القرار.
وأوضح أن السلطة تتكئ على مبرر (عدم نضج الشعب سياسيًا) أمام المطالب الإصلاحية، وتفرض سيطرتها على المجتمع المدني في ظل عدم وجود مجلس تشريعي وبرلماني يمثل الشعب.