لماذا منعت رواية : خطاب بين غيابات القبر !؟ - محمد الفزاري


من هنا أشكر مجلة "الفلق الإكترونية " على مبادرتهم مشكورين في نشر مقتطفات من روايتي الأولى المتواضعة والبسيطة أثناء وجودي في المعتقل بعنوان : "خطاب ماهي قضيتك؟.. أبو تركي يسأل"



لكن للأسف الرواية لم ترى النور في معرض مسقط الدولي 2013 وذلك نتيجة المنع المفاجئ والغير مبرر.












* المقتطفات :

“خطاب ماهي قضيتك؟”.. أبو تركي يسأل

http://alfalq.com/archives/5066









مقتطف من رواية “خطاب بين غيابات القبر” الصادرة حديا عن دار الانتشار العربي ببيروت





ليست هناك مسيرة سهلة إلى الحرية..

..ويستوجب على الكثير منا عبور وادي الهلاك مراراً وتكراراً

قبل أن نبلغ قمتنا المنشودة..

نيلسون مانديلا





لا وجود لمرآة


فوق السجادة يؤدي حق الرب، خطاب يصلي صلاة الفجر. فرغ من الصلاة.. تناول المصحف بجانبه. كان يقرأ القرآن كثيراً في الزنزانة، أحيانا يتجاوز الستة أجزاء.




في ذلك المكان..ولأنك مقبور في مصيرك المجهول، تتداخل وتتشابك عليك كل الظروف، تقرأ القرآن كثيراً ولا تعلم لماذا وما هو السبب وراء ذلك، هل هو التقرب من الرب لطلب رحمة ومصلحة مؤقت؟ أم هو بسبب الفراغ الطويل حيث لا يوجد ما يفعله المُعتقل هناك غير التحقيق والأكل والنوم والصلاة ويتسلى بالقراءة؟ أم لأن السجن الانفرادي يزيد جرعة الإيمان بداخلك لتتذكر ربك أكثر وبمشاعر أقوى! أم أن التعود على القراءة هو ما يجبرك على قراءة القرآن لتحصل على جرعة من الكلمات المطبوعة وتشمَّ معها رائحة الحبر!.



كاد أن ينتهي من جزء لكن يقاطعه صوتٌ من فتحة الباب، مُلثم وعدهُ بالأمس أن يأخذه إلى التهوية وقت الشروق، بعد حديثٍ وديٍ بالأمس أفصح فيه خطاب أنه يفضل الخروج للتهوية بعد صلاة الفجر.



من المفارقات.. كان خطاب لا يخرج للتهوية إلا بشرط، المحروس يشرط على الحارس، الشرط أن الملثم الذي يأخذه للتهوية يجلس معه ليتبادلا الحديث، يريد أن يُفضفض.. شخص ينصت إليه حتى لوكان الشخص الذي يسمعه يجهل ما يقول.



وصل خطاب إلى ساحة التهوية، فُك القيد.. الظلمة تزول. أبو تركي الحارس المُلثم بالأمس تجرأ خطاب وسأله عن كنيته، لا وجود للأسماء في ذلك المكان، أبو تركي رجل فوق المتوسط طولاً، مفتول العضلات.. شامة على رقبته تميزه.. طيب القلب. منذ وصوله لذلك المكان المجهول.. خطاب أحسَّ بالراحة.



أبو تركي: خذ راحتك تجول في المكان.. سأرجع لك بعد دقائق.



خطاب: طيب شكراً.



طيب.. جزاك الله خيراً – كلمات خطاب المفضلة في ذاك المكان المجهول.



بدأ خطاب بالمشي بمحاذاة الجدار.. طولة 8 أمتار، كان يستغفر في كل خطوة. وصل للنهاية.. ستون خطوة.. يتجه يساراً.. يصل للنهاية.. اثنتا عشرة خطوة.. كرسي بلاستيكي أبيض في المنتصف، خطاب يجلس عليه، عيناه في السماء.. شباك حديدي أسود.. دقائق تمضي.. خيوط الشمس تبزغ.. النهار يتجلى. خطاب يرسم صوراً في السماء.. أمه.. أخته الصغيرة.. حبيبته.



يقف خطاب وهو يردد أبيات النشيد- لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلماً.. لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدِما.. لبيك.. لبيك.. لبيك…



يُقاطعه قدوم أبو تركي حاملاً كرسياً بلاستيكياً أبيض: كيف أصبحت يا خطاب؟



- الحمد لله.. بنعمة وعافية.. وجود أشخاص مثلكم في هذا المكان المقطوع.. يبعث في قلبي الألفة والطمأنينة.



أبو تركي: هذا واجبنا



لماذا هذه الكاميرات في سقف نهاية وبداية هذا المكان؟ خطاب يسأل..



أبو تركي: ومن أخبرك أن تلك الأجهزة عبارة عن كاميرات!.



خطاب: الشكل يوحي بذلك..يقاطعه أبو تركي- لا تصدق كل ما تراه في هذا المبنى.



لحظات صمت.. خطاب يفكر في إحدى جلسات التحقيق، يفكر في كلام المحقق أبي عبدالله ” أنت إمعة..أشخاص تستغلك.. تنظيم سري.. معارضة..منظمات دولية..أجندة خارجية..تنظيم القاعدة”.



الأفكار تتوارد…خطاب ماهي قضيتك؟ أبو تركي يسأل.



خطاب يزفر آهاتٍ..آآآه قضيتي وما أدراك ما قضيتي..قضيتي يا أبو تركي هي حبي المفرط لهذا الوطن..هل تصدق هذا! أصبح الإفراط في الحب ممنوع..زمن غريب.



أبو تركي: لم أفهم شيئا .



- معذرة يا أبو تركي لكن لا أعتقد أنك ستفهمني.



أبو تركي: على كل حال.. أنا أعرف طبيعة الأشخاص الذين يُجلبون إلى هنا وأعرف قضاياهم..نصيحتي لك ابعد عن الشر وغنِّ له.



خطاب: أخبرتك لن تستطيع فهمي وأنا لن أستطيع أن أفهمك، أحياناً تعجز الكلمات عن التعبير، تعجز أن تصف شعور الإنسان بصورته الحقيقية، لا وجود لمرآة تعكس ما بقلبي من إحساس إلا أفعالي، لكن إن استطعت أن تفهم هذه العبارة.. حينها ستدرك ماهية قضيتي..”إن الفناء في الحق هو عين البقاء”.








* * *






أنا إنسان تربيت في جو الكرامة، وسأموت في جو كريم..




..ولا أحد مهما كانت سلطته يمكن أن يغلق فمي أو يكسر قلمي



د.مهدى المنجرة





لم أغتصب




غير ملابسك- يد من فتحة صغيرة في الباب الحديدي تناول خطاب ملابسه.. الدشداشة.. المصر.. الوزار.. الفانيلة.. يتناول خطاب الملابس دون أن ينطق بأي حرف.



في ذلك المكان المجهول يُحرم السؤال، فقط نفذ ولا تسأل.. لماذا وأين؟! لا يعلم خطاب..



تكثر التوقعات.. أفكار تتسابق.. خطاب يغير الأفرول الأزرق.. الزي الرسمي في ذلك المكان.



لعله الفرج.. أكيد اليوم سيفرج عني.. خطاب يحدث نفسة مع ابتسامة خجولة.



لحظات تمضي.. الباب الحديدي يُفتح.. مُلثمان.. أصفاد حديد.. غطاء أسود.. ظلام دامس.. تنعدم الرؤية.. لكن الأفكار ما زالت تتوافد مُخترقة الغطاء الأسود سالكة طريقها في الظلمة الحالكة إلى عقل خطاب. ثلاثون خطوة مجهولة وبضع خطوات صعوداً ونزولاً.. فوق الكرسي.. أصفاد الحديد من الخلف إلى الأمام.. لتوصيلها بسلسة حديدية ممتدة من أسفل الكرسي لتمتد معها لحظات صمت يقاطعها من حين إلى آخر صوت مجهول يتساءل إن كان خطاب يتنفس بسهولة وارتياح.



تمضي الدقائق.. لا تقل عن ربع ساعة.. تتوقف السيارة نهائياً بعد أكثر من وقفة خلال الطريق لبضع ثوان مجهولة السبب.. ما هي إلا لحظات وإذا بالنهار يبزغ.



رجل يرتدي الزي الرسمي يفكُّ السلسلة الحديدية مُبقياً على الأصفاد.. الباب يُفتح.. خطاب يرفع رأسه للأعلى.. “المحكمة الابتدائية”.



خطاب يبتسم.. كانت ابتسامة قاتلة لكل من حوله.. رجال الشرطة.. رجال الأمن.. خطاب عزيز نفس لدرجة تستطيع أن تطلق عليه بليد الإحساس.. لا يسمح لمن حوله أن ينظروا إليه نظرة شفقة.. يشمخ بكبريائه عالياً.. ما أقوى أن تعرف روحك الابتسامة رغم أحزانها!



في مكتب صغير للأرشيف، خطاب ينتظر المحاكمة.. رجل الأمن.. أصفاد حديد.. باب مغلق.. تمر الدقائق.. أكثر من ساعة.. ساعتين.. خطاب صامد فوق كرسيه لم يتحرك وهو يردد في سره الآية الكريمة “وَمَا يُلقاها إلا الذين صَبَروا وَمَا يُلقاها إلا ذو حَظٍ عَظيمْ”.



وَقت المحكمة.. إلى القاعة.. قفص الاتهام.. ثمانية رجال.. امرأتان.. حشدٌ من الحضور..جمهور غفير..ستة محامون متطوعون.. القاعة تمتلئ.. القاضي يصرخ-يكفي أغلقوا الباب لا يوجد مكان



الطرق على الباب يستمر.. تبدأ المُحاكمة.. خطاب المتهم العاشر.. القاضي يوجه التهم – أنت متهم بتهمتين.. الأولى هي التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام والثانية عرقلة حركة المرور.



القاضي: ما هو ردك على هذه التهم؟.



خطاب: يا سيادة القاضي.. أنا بريء وأنكر التهمتين جملة وتفصيلاً، يا سيادة القاضي لو تسمح لي أود أن أشير الى ثلاث نقاط، عندما كان يؤتى بي إلى هنا والأصفاد في يدي والغطاء الأسود يحتويني، طرحت على نفسي سؤالاً: ما هو الجرم الذي ارتكبته لأتعرض لهذه المعاملة! تمت الإساءة إليً كمواطن وكإنسان أولاً، يا سيادة القاضي هل قمت باغتصاب حرمة هذا البلد بتجارة مخدرات أو قتل أو سرقة أو تخريب!



يا سيادة القاضي لو افترضنا تجاوزاً أن كلا التهمتين صحيحتان.. هل نستحق هذه المعاملة التعسفية غير الإنسانية منذ بداية الاعتقال في المُعتقل الأول المعلوم حيث كان مصيرنا زنزانة قذرة ورائحتها نتنة!؟ عندما تنظر حولك يمنة ويسرة يخيل لك كأنك في محمية صراصير.. الأرضية.. الأفرشة.. تحتضن الصراصير احتضانا، لا أنسى الثلاجة التي أجبرنا على أن نشرب منها في البداية، هي الأخرى لا تقل حناناً من الأفرشة والأرضية، صحون وأكواب مضى عليها الزمن.. رائحتها كريهة جدا.



النقطة الثانية يا سيادة القاضي، للأسف في اليوم الثاني من الاعتقال نُفاجأ بقنبلة إعلامية، الإعلام المقروء يتواطأ مع خصمي ويصدر بياناً محتواه أنه تم الإمساك بأكبر المسيئين، خصمي يحكم علي بالإساءة أمام الملأ ولا يكتفي بذلك بل يصّرِح بأننا أكبر المسيئين ضارباً بالقضاء عرض الحائط.



النقطة الثالثة يا سيادة القاضي، لو افترضنا أن الشرطة ضبطت سبعة مجرمين متلبسين بجريمة سرقة، هل من المنطق و بعيداً عن القانون يجوز الإفراج عن أربعة أشخاص ومحاكمة ثلاثة أشخاص فقط! هذا ما حدث في قضيتنا.. تم اعتقال 26 شخصاً متلبسين بالجرم نفسه كما يدعي أو يسميه خصمي.. لماذا فقط أحد عشر شخصاً يُحاكمون بينما البقية أطلق سراحهم!



يا سيادة القاضي هذا إن دل على شيءٍ يدل على أن القضية كيدية واستقصاد لأشخاص وليس تنفيذاً للقانون….



رُفعت الجلسة.






* * *








أعدكم بأن قضبان السجن ستصدأ قبل أن تصدأ إرادتي وعظامي




هايل أبوزيد





وضعية الجهاز




طالت الأيام.. الليل طويل، في زنزانة رباعية الشكل، باب حديد.. فتحتا تكييف..سماعتان.. مصباح ملعون.. فراش واحد.. مخدة واحدة.



خطاب يقضي يومه الخامس والعشرين في حبسه الانفرادي. الأيام تتشابه.. لا جديد.. الصباح نوم وتحقيق والمساء أرق وتفكير.. وأحياناً بعض من التحقيق.



يقف خطاب متجهاً نحو الباب، يضغط الزر بجانب الباب.. يتكئ على الجدار.. ينتظر لفترة من الزمن ليست بطويلة.. مُقنع يسأل من فتحة صغيرة في الباب – ماذا هناك؟



خطاب : شاي لو سمحت.



خطاب يشرب وعقله يُحلق خارج الزنزانة.. خارج الوطن.. بل خارج القارة، بعيداً.. سبع عشرة ساعة.. الرحلة جواً.. ثانية احتاجها خطاب ليصل إلى هناك وهو يشرب الشاي..



الجامعة.. الكازينو.. السينما.. النهر.. ذكريات من الماضي الجميل..



الجسر..الجسر..الجسر..نعم الجسر.. خطاب يتذكر الجسر.. جسر الجامعة. نفد الشاي.. يعود للوطن.. يطلب الشاي مرة أخرى.. مع أول رشفة يصل للجسر مرة أخرى قبل أن يتذوق طعمها.. على هذا الجسر.. خطاب يتحدث ولأول مرة مع أول حب يفطر قلبه.. لم يطل الحديث.. مع انتهاء الجسر انتهى الحديث.. أخذ رقم الهاتف.. قصة حب تبدأ.



خطاب يضغط الزر- ماذا هناك؟مُقنع يسأل..



خطاب: دورة المياه



لحظات تمر.. ثلاثة أقنعة تدخل، خطاب مقابل الجدار..كلتا يديه في الأعلى.. أقدامه متباعدة.. حذاء أسود بين قدميهِ.. أصفاد حديد من الخلف..غطاء أسود.



يقضي حاجته..



يطلب الشاي مرة أخرى.. يتذكر كل لحظة قضاها مع عشيقته.. الاتصالات..الجلسات.. الضحكات..عينيها..



خطاب ينتهي من شرب الشاي، يستلقي على ظهره.. يتكئ برجليه عاليا على الجدار وهو يردد بيت الشعر..” ان العيون التي في طرفها حور…قتلننا ثم لم يحيين قتلانا”



خطاب يُغمض عينيه..سرير ذهبي.. لحاف واحد.. مخدتان..الوضعية الأولى.. الثانية.. الثالثة.. تنتهي الوضعيات..خطاب مازال يحلم.. يفتح عينيه.. يتخيل حبيبته فوقه تتكئ على رجليه.

المشاركات الشائعة